ان الرأي المتفق عليه بتعرّيف الماسونية أنها مؤسسة إتحاد وإخوّة، قائمة بين رجال مثقفين يعملون في سبيل بنآء الرجل الفاضل لخلق المجتمع الفاضل وهذا يقتضيهم أن يحبوا العدل والحق والجمال، وأن ينشدوا المعرفة حيث يجدونها، وأن يعملوا على التخلّص من النقائص التي تعتريهم، وأن يمارسوا الفضآئل الإنسانية، وأن يقوموا بواجباتهم العامة والوطنية، وأن يتغلبّوا على أنانيتهم وشهواتهم، وأن يستوحوا ضميرهم في كل ما يقولون وما يفعلون.
هذا التعريف وحده يكفي لكي يفتح أمام الطالب باباً واسعاً للتأمّل، بغية التعرّف على حقيقة نفسه، ومدى إنطباق هذا التعريف عليه، ومقدار الجهد الذي يقتضي بذله في سبيل تحقيقه. إذ عليه أن يسأل نفسه هل أنا حقاً رجلاً مثقفاً؟ وما هي درجة ثقافتي؟ أهي عامّة شاملة، أم هي عميقة في نوع معين من الإختصاص؟ أهي ثقافة علمية أخذتها من كتاب ومدرسة، أم هي ثقافة تجريبية خلقية علمتني إياها الأيام؟ ابلغت ثقافتي منتهى المعرفة، أم ثمة حاجة لتوسيع هذه الثقافة وإقتباس المزيد من المعرفة؟
نحن نعرف استباقاً ماذا يكون الجواب فيلكن التصميم الصادق إذاً على الإستزادة من المعرفة والثقافة العلمية والخلقية والروحية، لكي نكون فعلاً جديرين بأن نسمّى بنآئين أحرار،ولكي نكون فعلاً سآئرين في طريق الكمال العقلي والمعنوي،وليسأل المبتدئ نفسه أيضاً هل أنا فعلاً على خلق كريم؟ والجواب الصادق عن هذا السؤال سيكشف له حتماً أن ثمّة مناقب كثيرة يجب أن يسعى اليها، وشوآئب كثيرة يجب أن يتخلّص منها، فليسعّى إذاً الى ذلك إذا كان يريد أن يكون بنّآئاً حراً حقيقيّاً سآئراً في طريق الكمال وليسأل نفسه ايضاً هل انا فعلاً غير أناني؟ وليكن صادقاً مع نفسه فتظهر له جسامة الجهد الذي يجب أن يبذله لكي يتغلّب على نفسه فيجعل الأنانيّة والغيرة فيه متكآفئين، ويحب لغيره ما يحب لنفسه، فيستحق عند ذلك أن يكون بنّآئاً حراً.
وليسأل نفسه أيضاً هل أنا وطني حقاً؟ إن الجواب عن هذا السؤال يحصل بتحليل المآثر التي يقوم بها في سبيل بلاده في شتّى الحقول.
إن مَن احب التقيّد بالأنظمة والقوانين، أومَن أحبَّ المحافظة على الممتلكات العامة، وحقوق الآخرين هو وطني،وأن يكون القدوة الصالحة في محيطه ، أو يحسن تربية أولاده ، أو يعمل لكي يصبح رجلاً فاضلاً ، هو وطني ،فضلاً عمن يخدم القضايا الوطنية مباشرة . إن المرء يكون ماسونيّاً حقيقيّاً بقدر ما يرضى ضميره عن أعماله في هذا الصعيد.
إنك أيها الطالب متى أجريت هذا التحليل بتجرّد وصدق وإخلاص، وهو يشمل جسدك وعقلك وروحك، فأنك لتجد نفسك على مفترق طريقين: فإمّا أن تضعف وتتخاذل، وفي هذه الحالة ننصحك بأن تبتعد عن البنّآئيّة لإن لا مجال فيها للضعف والتخاذل والوهن، وأما أن تحزم العزم على أن أن تكون رجلاً تريد التغلّب على ما فيك من رواسب لاترضى عنها فتجد عندئذٍ في البنّآئيّة خير مرشد يشّد بيديك ويهدي خطواتك لكي تسير من الظلام الى النور ومن الحسن الى الأحسن. وتكون خطواتك سريعة بقدر عزيمتك وحسن إستعدادك وتكون بالنتيجة أنت الرابح، ومتى ربح المرء نفسه ربحه الجميع.
فإن كنت قد حزمت عزمك ووطّدت همتك على السير في الطريق البنّآئي، فلندخل معاً عتبة العشيرة الحرّة، ولنكن مؤمنين بأن كل من صحّت عزيمته وخلصت نيته وسار في الطريق القويم وصل الى ما يصبو اليه. قبل أن ندخل يجب أن نذكر أن في الماسونية درجات أوّلها درجة المبتدئ، وفي نطاقها ستكون خطوتنا الإولى، لكي نتدرّج بعدئذٍ صعداً بقدر جهدنا وتحصيلنا.
ولهذه الدرجة، كما لغيرها من الدرجات، طقوس ورموز وتعاليم، يجب أن تلّم بها وتمارسها وتتفّنهما تباعاً ، فتجد فيها نوراً يضيئ أمامك طريق المعرفة والفضيلة والكمال .
© Copyright 2024 The District Grand Lodge of Lebanon. Our Privacy Policy